الجمعة، 22 فبراير 2008

لمحة عامة عن إقليم دارفور


لمحة عامة عن إقليم دارفور
يقع إقليم دارفور فى أقصى غرب السودان، ما بين خطي العرض 10- 16 درجة شمال وخطي الطول 22-27 درجة شرق، وتصل مساحته الاجمالية الى 160 ألف ميل مربع، أي، ما يساوي مساحة فرنسا، وتشكل حدوده الغربية حدود السودان الخارجية مع عدة دول، ومن بينها مصر (قبل الترسيم لحدود الإقليم)، وليبيا، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ويدين سكان إقليم دارفور بالإسلام. وتسكن الإقليم مجموعات قبلية وعرقية واثنية مختلفة، تصل عند البعض الى 170 مجموعة اثنية، من أهمها الفور والتى أخذ الإقليم اسمه منها، وقبائل البقارة العربية مثل الرزيقات والبني هلبه والمعاليا، وقبائل الزغاوة والميدوب والمساليت والتنجر والداجو والقمر الحامية الخ، وكذلك قبائل الأبالة العربية مثل المهرية والزيادية والمحاميد الخ، ويتقاطع العديد من هذه المجموعات مع امتدادات لها فى الدول المجاورة، وخصوصا دولة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى .

وقد قامت فى إقليم دافور قديماً ممالك مستقلة، من أهمها سلطنة الفور، والتى استمرت فى الوجود منذ القرن الخامس عشر الميلادي، واندثرت فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تحت ضغط التركية والمهدية، ثم انبعثت فى العام 1898 على يد السلطان علي دينار، وواصلت الوجود حتى العام 1917، حيث انهزمت نتيجة للتفوق الحربى الإنجليزي، وقد كان إقليم دارفور بذلك آخر إقليم يُضم للسودان تحت الاحتلال الإنجليزى الذى سيطر على أغلب أجزاء البلاد فى العام 1898.

ويتميز إفليم دارفور الذى يتوزع مناخه ما بين المناح الصحراوي وشبه الصحراوي فى الشمال، والسافنا الفقيرة فى الوسط، والسافنا الغنبة في الجنوب، باحتوائه علي وديان ومجاري مائية متعددة، وتضاريس سهلية وجبلية مختلفة، ومن بينها أعلى هضبة فى السودان، وهى الهضبة التى تسمى بجبل مرة، والتى يصل ارتفاعها الى ثلاثة آلاف متر.

ويعمل أهل دارفور عموماً بالرعي والزراعة، وتكاد الأنشطة الإنتاجية تتوزع مناطقياً وقبلياً فى وحدات ايكولوجية- اثنية، حيث يعمل سكان الجزء الشمالي من الإقليم من قبائل عربية في رعي الابل (الأبالة)، بينما يعمل سكان القطاع الأوسط من الفور والقبائل غير العربية الأخرى المستقرة فى الزراعة، بينما يعمل سكان المناطق الجنوبية من القبائل العربية فى رعي الأبقار (البقارة).

دارفور تحت الحكم الإنجليزي وفي العهد الوطني

تميز إقليم دارفور عبر التاريخ بوجود وحدة سياسية، عبرت عنها الدولة الفيدرالية لسلطنة الفور، كما تشكلت فى الإقليم بيئة ثقافية اجتماعية ميزته عن باقي أجزاء السودان، رغماً عن الأصول العرقية المختلفة لسكانه، وحركات الهجرات الكبيرة داخل الإقليم وخارجه، واختلاف نمط النشاطات الاقتصادية فيه.

وقد تعامل الاستعمار الإنجليزي بحذر مع إقليم دارفور، وهمشه بصورة كبيرة، ومارس فى أجزاء منه سياسة المناطق المقفولة، وذلك خوفاً من انتشار الروح الثورية والنزعات الاستقلالية الكامنة فى دارفور، والتى عبرت عنها ثورة الفكي عبدالله السحيني فى 1921، والانتفاضات التى تلتها، وولاء دارفور للإرث المهدوي المناضل. هذه الروح الثورية عبرت عنها دارفور بإعلان استقلال السودان من مدينة عد الغنم (عد الفرسان)، عبر شخص المناضل الوطني السيد عبدالرحمن دبكة.

أما العهد بعد الكولونيالي فقد تميز باهمال وتهميش مماثل للإقليم ومواطنيه وقضاياهم، حيث لم تهتم الحكومات المتعاقبة بانشاء البنية التحتية في دارفور (بناء الطرق، وتوفير الطاقة الكهربية، وحفر آبار المياه الخ.) كما لم تهتم بتوسيع التعليم ولا بتوفير الخدمات الصحية والبيطرية الخ، وفى ذلك لم تختلف الحكومات العسكرية عن المدنية، بما فيها حكومات حزب الأمة المختلفة، صاحب الأغلبية الكاسحة فى الإقليم، والذى ظلت دارفور تقدم له الدعم السياسي والعسكري عبر العقود.

فى كل هذا اعتمد مواطنو دارفور علي أنفسهم، عن طريق نشاطاتهم الإنتاجية التقليدية فى مجالي الرعي والزراعة، وأداروا شئونهم وخلافاتهم عن طريق الإدارات الأهلية، بكل محاسنها ومساوئها، وعلموا بعض أبنائهم عن طريق مدخراتهم وبالجهد الذاتي، فيما رفعت الدولة يدها عن واجباتها نحوهم تماماً.

بالمقابل فقد أسهم مواطنو دارفور ايجابياً في كل النشاط الوطني والاجتماعي، حيث شاركوا فى النضال ضد الدكتاتوريات، مثل ديكتاتورية عبود والتى قاومها أهل الإقليم سواء بدعم حزب الأمة، أو عبر منظمة سوني، وجبهة نهضة دارفور، أو دكتاتورية مايو والتى سجل أهل دارفور أنصع السطور فى مقاومتها منذ البدء، مروراً بمشاركة أبنائهم فى حركة الشهيد محمد نور سعد، وانخراط كامل الإقليم فى انتفاضة دارفور فى 1980-1981، أو غيرها من المساهمات.

كما كان لدارفور اسهام كبير فى الدخل القومي السوداني والناتج القومي وعائدات الصادر، حيث يسهم الإقليم بمحاصيل نقدية مهمة، ترجع عوائدها والفائض منها الى الخزينة المركزية مثل السمسم، والصمغ العربي، والكركدي، وحب البطيخ، إضافة الي اسهامه الهام بالثروة الحيوانية، وكذلك الاسهام بمنتجات البترول المستخرج فى الإقليم.

ان واقع التخلف والتهميش الذى عانت منه دارفور فى خلال العهد الوطني، والذى انعكس سلباً على مواطنيها من مختلف الأصول القبلية وفى جميع مناطق دارفور، إنما تتحمل مسئوليته فى المقام الأول النخب العسكرية والمدنية الفاشلة والأنانية التى حكمت السودان، والمنحدرة غالباً من مناطق الوسط النيلي، والتى هيمنت علي الحكومات المركزية، وسيطرت علي جهاز الدولة، واستخدمته مصدراً لتراكم الثروة واحتكار السلطة.

من بين هذه النخب تتحمل قيادة حزب الأمة الأسرية الطائفية مسؤولية مباشرة، والتى يفترض لكل تاريخ دارفور النضالي والداعم لهم، وارتباط أهل الإقليم التاريخي بطائفة الأنصار وحزب الأمة، أن يجدوا اهتماماً أكبر بهم من قيادة ذلك الحزب، فكان جزاؤهم منه جزاء سنمار. كما تتحمل المسئولية أيضاً بعض القيادات الدارفورية ممن وضعت نفسها مطية لمختلف الأحزاب الطائفية والعقائدية والأنظمة العسكرية، تستخدمهم مخلب قط فى سياساتها المعادية لمواطني دارفور.

التدهور البيئي في دارفور والصراعات القبلية

أدى الاهمال الواضح للحكومات المتعاقبة لقضايا الإقليم، وعدم وجود أي تصور تنموي لها، والتعامل العدمي مع واقع التدهور البيئي فى دارفور، والذى هو جزء من التدهور البيئي العام فى منطقة الساحل، مرتبطاً بالزيادة المطردة فى عدد السكان ورؤوس المواشي والحيوانات، الى كارثة بيئية وسياسية خطيرة ضربت إقليم دارفور، بدءاً من أوائل السبعينات فى القرن الماضي، ولا تزال مستمرة الى اليوم.

أدى هذه التدهور البيئي، والذى سببته ظواهر طبيعية مثل الجفاف والتصحر، والتى لم تجد أية برامج لتجاوزها والحد منها، وكذلك انعدام الإدارة الجيدة للموارد المتوفرة الشحيحة، واهمال وتآكل أو انعدام وجود المؤسسات المعنية بحماية البيئة وتطوير الموارد، مثل برامج حماية الغابات والغطاء النباتي، وحماية التربة الخ، ومؤسسات الارصاد الجوي، واستغلال المياة الجوفية، واستصلاح الأراضي الخ، الى ان يواجه مواطن دارفور الطبيعة منعزلاً وفى ظل أدوات ضعيفة، فكان لا بد له من الانهزام.

أدى هذا الى هجرات واسعة من مناطق شمال دارفور، من القبائل الرعوية، الى مناطق وسط وجنوب دارفور، الأمر الذى أفضى الى تكدس سكاني كبير فى منطقة ذات إمكانيات بيئية وإنتاجية محدودة، فقاد هذا الى تدهور مماثل فى الموارد بتلك المناطق، نتج عن الاجهاد الرعوي والزراعي، والرعي الجائر وقطع الأخشاب وتدمير الغطاء النباتي، الخ.

فى ظل هذا الوضع انفجرت الصراعات الاثنية والقبلية بين المجموعات المختلفة، طوال أعوام السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والتى لم يمض عام دون أن تنفجر فى تلك المنطقة أو تلك، من مناطق دارفور حيث يتم التماس والصراع علي موارد محدودة، بين مجموعات تبحث عن الماء والكلأ والأرض لأفرادها وقطعانها.

فى كل هذا لم تتتخذ هذه الصراعات طابعاً عنصرياً، وإنما كانت تتم إما بين المجموعات الرعوية والمجموعات الزراعية، أو بين مختلف المجموعات الرعوية، وكانت بالقدر نفسه الذى تدور به بين المجموعات غير العربية والعربية، تدور أيضاً بين المجموعات العربية فيما بينها ، أو بين مجموعات غير عربية مختلفة.

فى كل هذا، فقد قامت الدولة المركزية بدور سلبي، وكما لم تقم بأية مجهودات للتنمية وتطوير البنى التحتية وحماية الإقليم من آثار الكارثة البيئية، فانها لم تتدخل لتطويق الصراعات القبلية، وإنما تركت أمر حلها للقيادات القبلية والمحلية، والتى كانت تبذل وسعها لحل تلك الصراعات وفق العرف المحلي، لكن استمرار التدهور البيئي وضعف الموارد كانا السبب الرئيس للصراع، مما لم تكن تلك القيادات الأهلية تملك إمكانية حله حلاً جذرياً.

الحكومات المركزية تقدم دارفور قرباناً لمصالحها الإقليمية والعالمية

وكأن كل هذا لم يكن كافياً، فقد أدخلت الحكومات المركزية دارفور فى معمعة الصراعات الإقليمية والعالمية، وجعلت منها معبراً وحديقة خلفية لمختلف القوى المسهمة فى الصراعات فى الغرب من الإقليم، أي، فى الجماهيرية الليبية، ودولة تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطي.

فقد قامت حكومة المشير نميري بالتدخل المباشر فى النزاع التشادي – التشادي، والتشادي الليبي تنفيذاً لمخططات عالمية ليس للمواطن الدارفوري أو السوداني عموماً مصلحة فيها، فدعمت قوات القائد حسين هبري، وساعدته فى الوصول الى السلطة فى تشاد، وفى الحرب ضد ليبيا من بعد، ووضعت نفسها بذلك كأحد أطراف النزاع، وأدخلت دارفور الى محرقة الصراعات التشادية المريرة.

وبعد انهيار نظام المشير نميري، غيرت حكومة الصادق المهدي تحالفاتها، واتجهت لتاييد ليبيا، وذلك لرد بعض ديونها القديمة والجديدة للعقيد القذافي، ومن ضمنها دعمه لحزب الأمة في السبعينات، ودعمه لحملة حزب الأمة الانتخابية فى 1986، ففتحت إقليم دارفور أمام قوات الفيلق الإسلامي المتعددة الجنسيات والموالية لليبيا، وكذلك أمام قوات القائد التشادي بن عمر، وغيرها من القوى والجيوش والمليشيات.

أما نظام الإنقاذ فقد قام بدعم قوات القائد إدريس دبي، وساهم بدور كبير فى دعمه وتوفير الحماية والعمق له فى إقليم دارفور حتى نجح فى الاطاحة بالرئيس حسين هبري، واعتلاء سدة الحكم فى تشاد مع أوائل التسعينات.

أدت هذه التدخلات غير المسئولة، والسماح للجيوش الأجنبية بدخول الإقليم والتحرك فيه والضرب منه والهرب إليه، الى ان تتوفر بالإقليم كميات هائلة من الأسلحة الحديثة، كانت تتوفر من فلول كل جيش مهزوم، والى تقوية نزعات ثقافة الحرب والقتال فى دارفور، والى الدفع بقبائل كاملة من دارفور لمحرقة الصراع فى تشاد دعماً لهذا الطرف أو ذاك.

إن الحكومات المركزية، بدلاً عن أن تغلق الحدود الغربية وتحميها بقوة، وان تتخذ موقفاً متوازناً من أطراف الصراعات التشادية، وأن تنأى بنفسها عن التدخل فى شؤون الدول الأخرى، قد ارتضت لنفسها أن تصبح مخلب قط للقوى الإقليمية والعالمية، فى حروبها الباردة والساخنة، وان تستخدم إقليم دارفور فى كل ذلك، وتقدمه قرباناً لمصالحها الضيقة وغير الوطنية، وأن تدفع بمواطنيه الى خيارات لم يختاروها، ولا تنسجم مع مصالحهم الحقيقية ولا رغباتهم.

النهب المسلح والانفراط الأمني وسياسات التجاهل والقبضة الحديدية

أدى الانهيار البيئي المتصاعد، وهجرة العديد من القبائل من مناطقها التقليدية، والتفكك الذى تم فى مؤسسة القبيلة، وخصوصاً بعد انتقال قبائل كاملة للعيش فى المدن، وتوفر السلاح بصورة واسعة، ودخول عناصر أجنبية على الإقليم من فلول القوات التشادية والأفريقية المختلفة الى دارفور، كل ذلك أفضى الى بروز ظاهرة النهب المسلح وسيلةً لكسب العيش وأسلوباً جديداً للحياة.

وقد انتشرت ظاهرة النهب المسلح، التى تعتمد على ارث نظام الهمبتة القديم، ولكنها خالية من كل أخلاقيات الهمباتة، لتمارس من عناصر ناشذة عن مجموعاتها القبلية، تدعمها عناصر من خارج الإقليم، لتمارس تجاوزاتها بقسوة وعنف ضد المواطن الدارفوري المغلوب على امره. وقد هناك عناصر من القبائل العربية وغير العربية والمختلطة، ومن القبائل الزراعية والرعوية، ومن العناصر الوافدة والمحلية، ولم تكن بأية حال ظاهرة مرتبطة بقبيلة معينة، كما أراد بعض العنصريون والمتحيزون أن يذهبوا من بعد.

وأمام التسليح الجيد لعصابات النهب المسلح، وتمرس أعضائها علي فنون القتال، وضعف اهتمام الحكومة المركزية بالأمن فى الإقليم، واهمالها لقوات الشرطة، أخذت عصابات النهب المسلح تزذاد قوة مع بزوغ فجر كل يوم جديد، وكانت تكسب العديد من معاركها أمام الشرطة، وتحولت الى كارثة أمنية خطيرة تهدد كل الإقليم وطرقه وحركة البضائع والمسافرين فيه.

قامت حكومة الصادق المهدي بتجاهل هذه الظاهرة، حتي عندما تناولتها، نظرت لها بمعزل عن الأزمة الشاملة فى دارفور، ولم تقدم أية برامج شاملة لاستعادة الأمن فى دارفور ومحاربة الظاهرة وجذورها وتجفيف منابع السلاح فى دارفور استجابة لمصالحها الإقليمية ودفعها الثمن لما قدم لها قديماً وحديثاً.

رأت سلطة الإنقاذ من جانبها أن تلجأ الى أسلوب القبضة الحديدية، فأرسلت رجلها المشهور بـ "الطيب سيخة"، لكيما يحل المشكلة الأمنية فى دارفور، وذلك باستخدام القوة الغاشمة العمياء، دون أية برامج اجتماعية وثقافية أو تعاون مع القوى الأهلية والمدنية فى الإقليم، فكان لزاماً أن تنتهي سياسته بالفشل، وأن يظل النهب المسلح والانفراط الأمني سائداً فى دارفور.

من الجهة الثانية فقد عمدت الإنقاذ الى اتهام قبائل بعينها، بممارسة النهب المسلح، استجابة لدعاويها وتحيزاتها العنصرية، وكأن قبيلة كاملة يمكن أن تكون عصابة. كما ان الإنقاذ قد وصفت كل محاولات الانتفاض ضدها فى دارفور، وكل بذور المعارضة السياسية لها هناك، بأنها عصابات نهب مسلح، فميعت بذلك الحدود ما بين الصراع السياسي والصراع الأمني، وأفسدت من حيث زعمت الاصلاح.

نظام الإنقاذ واستفحال الازمة في دارفور

أسهم نظام الإنقاذ لقسط وافر فى استفحال الأزمة فى دارفور، وواجهت دارفور على يديه أقسي أشكال المعاناة والاضطراب والدمار، مما لايشبهه إلا الخراب المتحقق بعد هزيمة السلطان إبراهيم قرض على يد الزبير باشا فى 1874 وانهيار السلطنة، والدمار الذى لحق بدارفور أيام المهدية، والحروبات والتفريغ الذى تم لدارفور وسكانها آنذاك، وغيرها من فترات.

كان تنظيم الإسلاميين فاعلاً فى دارفور قبل أن يصل للحكم بانقلابه العسكري فى 1989، حيث شارك بدور كبير فى الأحداث فى دارفور، من موقع المعارضة والحكم، متدخلاً فى الصراعات القبلية بانحياز واضح للقبائل العربية، وداعماً للتجمع العربي هناك، في سبيل توسيع نفوذه في دارفور، وخلق موطئ قدم له هناك. وقد تميزت استراتيجيات الإنقاذ فى دارفور بالتناقض، وإن كانت كلها مضرة بالإقليم ومواطنيه، فقد عمدت الإنقاذ الى اضعاف الإقليم وسكانه، فكان أن عمدت الى اقتطاع الجزء الشمالي من الإقليم وضمه الى الإقليم الشمالي، كما قسمت دارفور الى ثلاث ولايات (أقاليم)، ما لبثت ان قسمتها هى الأخرى الى محافظات لم تراع فيها الإرث الإداري للإقليم عبر التاريخ.

كما عمدت الإنقاذ الى تكسير القيادات التقليدية والإدارة الأهلية فى دارفور واضعافها، وأحلت محلها قيادات وسيطة وجديدة تابعة لها، بحسبان أن القيادات التقليدية تابعة لحزب الأمة، كما أتت بالعديد من القيادات العليا من خارج الإقليم، من كوادرها المشهورة بالعنف والصلف، وفى ظل انعدام أي اهتمام بتنمية دارفور أو قضايا مواطنيها.

كما سعت الإنقاذ من جهة ثانية، الى استيعاب دارفور فى مشروعها الحربي التوسعي، وذلك عن طريق استغلال أبناء الإقليم فى حربها فى جنوب السودان، فكان ان كونت قوات الدفاع الشعبي ومليشيات الفرسان ودعمت قبائل جنوب دارفور العربية ومليشيات المراحيل لتقاتل لها الحركة الشعبية فى مناطق التماس، فى استمرار لسياسة الصادق المهدي الفاشلة. وقد قام الإسلاميون من أبناء دارفور بدور قذرٍ فى تأسيس هذه المشروع الحربي وقياداته واستخدام أهليهم فيه.

من جهة أخرى فقد تجاهلت الإنقاذ الصراعات القبلية، وفى بعض الأحيان اتخذت جانب قبيلة أو مجموعة قبائل ضد أخرى، وسكتت عن سياسة القتل الجماعي والتهجير التى تمت ضد قبائل الفور والمساليت الخ.، وذلك فى سعيها لتكسير البنية التقليدية في دارفور، واضعاف حزب الأمة، وشغل أهل دارفور بأنفسهم كيلا يطالبوا بحقوقهم المشروعة فى التنمية والتطور وحكم أنفسهم وبلادهم.

كما تعاملت الإنقاذ بصورة عسكرية بحتة تجاه قضية النهب المسلح، وحاولت الالقاء بمسئوليتها على عاتق مجموعات بعينها، فى استعداء واضح لها، حتى فى هذا المجال، لم توفر الإنقاذ النية الكافية والإمكانيات الوافرة لمحاربة الظاهرة وتحقيق الأمن فى دارفور، رغم جعجتعها عن الأمن واستعادة هيبة الدولة الخ، وذلك لأن كل هذا لا يدخل ضمن برامجها المخططة لدارفور.

يمكننا الآن بيسر ان نقول بأن استراتيجية الإنقاذ تجاه دارفور، قد قامت على رفع يد الدولة تماماً عن مهامها فى بناء وتأهيل البنية التحتية ومعالجة الأزمة البيئية فى الإقليم، وعلى تكسير العلاقات التقليدية فى دارفور، وعلى التمترس وراء قيادات وقبائل بعينها، ضد القسم الآخر من سكان دارفور، وعلى اشاعة ثقافة الحرب والعنف فى دارفور، واستغلال أبناء دارفور ونوازعهم الدينية احتياطياً عسكرياً وأمنياً وسياسياً لها ضد خصومها من الحركة الشعبية وقوى المعارضة الأخرى.

المعارضة المسلحة في دارفور وخطر الحرب الأهلية

اندلعت المعارضة المسلحة فى دارفور ضد النظام، بعد ان بلغ تسليح القبائل والصراعات بينها حدها الأقصى، وعندما استمرت سياسات التصفية العرقية لقبائل بعينها، وبعد ان افتضح بؤس ولؤم وخطل البرنامج "الإنقاذي" لدارفور، وبتأثير من تجربة المعارضة المسلحة فى الجنوب، ونشاط عدد من القوى السياسية التى أرادت جر دارفور الى الصراع مع النظام. كانت حركة داؤود يحى بولاد فى أوائل التسعينات محاولة مبكرة لهذه المعارضة، وإن ضرها ارتباطها المباشر بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وقيامها فى وقت لم ينكشف فيه البرنامج الإنقاذي ضد دارفور، كما لم يتم فيه الانقسام فى السلطة الإنقاذية الحاكمة، والذى وقف فيه معظم إسلاميي دارفور ضد جناح البشير – علي عثمان ومع جناح الترابي – علي الحاج.

فى مطلع عام 2003 اندلع القتال فى صورة تمرد سياسي ضد النظام، قادته ثلاث قوى أساسية فى جبل مرة وكرنوي وأرقو، وقد توحدت قوات جبل مرة وكرنوي – وادي هور- فى اطار حركة تحرير السودان، بينما نجحت الحكومة فى ضم قوات الجنجويد المتمردة فى أرقو الى صفها.

يعاب علي المعارضة المسلحة تشتتها وسعي جميع الأطراف للكسب الحزبي منها، فقد تأسست حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وتسابقتا فى الميدان العسكري ونسبة الانتصارات لهما، بينما حاول الحزب الفيدرالي طويلاً كسب المعارضة الى صفه، كما تدخلت أطراف من حزب الأمة والمؤتمر الشعبي فى الصراع، فخلقت حالة من البلبلة السياسية والتشويش عاقت وحدة البندقية الدارفورية ضد النظام.

بالمقابل فقد انتقل الإنقاذيون مباشرة الى الهجوم المضاد، حيث شنوا هجوماً سياسياً كاسحاً على التمرد وقادته، وجذبوا الى صفهم أحد شرائحه المهمة "الجنجويد"، ثم بداؤا فى استمالة بعض القيادات والمليشيات العربية لضمهم لصف النظام، فى اتجاه تحويل الصراع الى حرب أهلية فى دارفور، بدلاً عن ان يكون صراعاً لمجمل الدارفوريين ضدهم وضد سياساتهم.

ان ضعف الخطاب السياسي لحركات المعارضة الدارفورية، والانكفاء الاثني والقبلي لبعضها، ووقوع بعض حركات المعارضة فى تجاوزات ضد المدنيين، ووقوف حزب الترابي يلعب من الخلف وراء احداها، وعدم التنسيق مع أي قوى معارضة مسلحة أخرى فى الشرق أو الجنوب عند انطلاق القتال، قد أعطي الفرصة والوقت والمبررات لحكومة الإنقاذ لتبني وتنفذ سياستها القائمة علي مبدأ فرق تسد، والهادفة الى قطع الوشائج التاريخية بين القبائل فى دارفور، والرامية الى اغراق دارفور فى بحر من الدم.

إن الصراعات القبلية على الموارد المحدودة فى دارفور قد حولتها الأنظمة الحاكمة ودعاية الحركة الشعبية ومختلف القوى المغامرة الى صراع اثني ثقافي، كما أن المعارضة المسلحة التى انطلقت ضد النظام، قد تحولت نتيجة لاستراتيجية النظام الكريهة وأخطاء الثوار الى تمترس قبلي وعرقي، فاتحة الباب أمام اندلاع حرب أهلية واثنية شاملة فى دارفور.

إن حصيلة النزاع المسلح فى دارفور خلال عام ونصف لهى حصيلة مروعة الى حد كبير. فقد قتل عشرات الآلاف من المواطنين، واحرقت مئات القرى والحلال، وتشرد فى داخل دارفور وخارجها ما يفوق المليون مواطن، ودمرت عشرات آبار المياة والأراضي الزراعية والبساتين، ونهبت المحصولات والمواشي والممتلكات، وتسلح الجميع، وانطلقت المليشيات تعيث فساداً، فى ظل المشاركة الفاعلة والأساسية فى مسلسل الدمار والتخريب هذا من قبل حكومة الخرطوم.

الصراع في دارفور : صراع غلي الموارد لا صراع هُويَّة

إن الصراع فى دارفور فى مجمله هو صراع على الموارد الشحيحة، هذه الموارد التى تتناقص باستمرار، في ظل الزيادة الكبيرة فى عدد السكان وعدد حيوانات الرعي من ابل ومن ماشية. إن الإقليم، حسب مختلف الدراسات، كان قد تجاوز مرحلة التوازن البيئي فى نهاية السبعينات، وما عادت الأشكال التقليدية للزراعة والرعي، وخصوصاً فى ظل واقع الجفاف والتصحر المتزايد، بقادرة على ان تمارس دون تدمير كامل للبيئة، وصراعات لا حد لها على موارد الماء والأرض المفقرة باستمرار.

لقد تجاهلت الحكومات المركزية المختلفة، بدءاً من حكومة المشير نميري ومروراً بحكومات الصادق المهدي وانتهاءً بحكومة الإنقاذ الحالية، التدهور البيئي المتصاعد فى الإقليم – وفى مناطق أخرى من أقاليم السودان - وبدلاً من حل المشكلة فى اطار برامج لمجابهة التدهور البيئي ولتطوير الموارد وادخال أنشطة اقتصادية جديدة وتقنيات جديدة للإنتاج، عمدت الى التركيز على مظاهر الأزمة، وهى قضايا النهب المسلح والاحتراب القبلي، والتى هى نتائج ملازمة للأزمة البيئية – الاقتصادية – الديمغرافية فى دارفور.

لقد كانت الصراعات فى دارفور موجودة منذ القدم، ولكنها فى ظل ظروف التوازن البيئي كانت محدودة وتحل عبر الأدوات والقيادات التقليدية وبنظم التعويض والديات، وكانت العلاقات جيدة بين مختلف اثنيات دارفور، تدعمت بالزواج المختلط والعلاقات المتشابكة بين القيادات والمواطنين، فى ممارسات من التسامح الاثني لا تعرفها بقية اقاليم السودان.

إن محاولات تحوير الصراع الآن الى صراع اثني بين قبائل دارفور غير العربية والعربية، أو صراع على الهُويَّة بين أفريقانية السودان أو عروبته، هذا الصراع البائس والمزيف، والذى يحاول البعض أن يحله عسكرياً وفى دارفور وبأيادي الدارفوريين، إنما تعبر عن قصر نظر سياسي ومعرفي، وتجاهل للوقائع الموجودة على الأرض، ولا يقدم أي اسهام فى الحل الجذري للأزمة، والكامن فى تطوير الموارد واعمار الإقليم.

إن مختلف التنظيمات المتطرفة والمتخلفة، مما يسمي بالتجمع العربي فى دارفور، وتنظيم قريش، والتنظيمات التى تدعي للتمترس الزنجي–الأفريقي، إنما تسجل قراءات خاطئة للأزمة، وستعمل على تصعيدها وتحويلها الى محرقة وتصفية عرقية، على غرار ما حدث فى رواندا. جدير بالذكر ان معظم هذه التنظيمات المتطرفة إنما أتت فكرتها من خارج دارفور، وتجد الدعم أساساً من قوى غير دارفورية، سواء كانت بعض أجنحة الحركة الشعبية لتحرير السودان، أو الجناح العنصري الفاشي من نخبة الشمال المتعربنة.

إن الحل الصحيح يكمن فى وحدة أهالي دارفور، والنضال المشترك بين مواطنيها من أجل تطوير موارد الإقليم وحسن إدارتها وتنويعها، ومواجهة التدهور البيئي المتصاعد، وحفز مبادرة سكان الإقليم من أجل العمل والانتاج والادخار والاستثمار، كما فى تحقيق السلم الاجتماعي والذى يجعل كل ذلك ممكناً. على المستوى السياسي يبدو من الأهمية بمكان انتزاع حق مواطني الأقاليم فى إدارة أقاليمهم بنفسهم، وفى المساهمة العادلة فى إدارة كامل الوطن السوداني، على قدم المساواة مع غيرهم من المواطنين من مختلف الأقاليم

الاثنين، 11 فبراير 2008

وبكي الجنرال من الغرفة العملية بعدفشل مؤامرته المكشوفة

اخر الصور التقطت لوزير دفاعنا الحرامي ( ابو ريالة) لحظات سماعه من مدينة الجنينة في غرفة عملياته التي يدير منها المؤامرة علي تشاد الجارة وهو يسمع عن انتصار الرئيس دبي وانصاره علي فلول التمرد المسنود من عصابة الخرطوم وسحقهم بالكامل

السبت، 2 فبراير 2008

1952 ولد بفادا شرقي التشاد في أسرة تنتمي إلى إحدى قبائل الزغاوة؛
انضم إلى الجيش وشارك في حركة التمرد على حكم غوكوني وداي عام 1982؛
1989: فر إلى السودان بعد اتهامه بتدبير انقلاب؛
1990: حركة الإنقاذ الوطني التي يقودها تجبر حسين حبري على مغادرة تشاد نحو المنفى؛
1991: ديبي يعلن نفسه رئيسا للبلاد؛
1996: فاز بأول انتخابات رئاسية في البلاد، بعد أقامة نظام للتعددية الحزبية، وإعداد دستور؛
2001: أعيد انتخابه؛
2005: تعديلات دستورية تفسح له المجال للترشح لولاية ثالثة؛
2006: الفوز بالرئاسة بعد الحصول على 77,5 في المائة من الأصوات.